حزب الله وإيران- ولاءات إقليمية على حساب استقرار لبنان؟

المؤلف: محمد مفتي11.18.2025
حزب الله وإيران- ولاءات إقليمية على حساب استقرار لبنان؟

إثر إعلان إسرائيل عن مصرع حسن نصر الله، بادرت بعض المنصات الإعلامية الإسرائيلية على الفور بنشر سلسلة من الفيديوهات التي يظهر فيها نصر الله وهو يتحدث بحماس عن الروابط الوثيقة التي تربط حزب الله بإيران. يبدو وكأن إسرائيل تسعى جاهدة لإرسال رسالة قوية إلى المنطقة والعالم بأسره، مفادها أن هذه الضربة القاصمة ليست مجرد استهداف لحزب الله، بل هي رسالة تحذير صارخة لإيران وحلفائها المنتشرين في المنطقة العربية. وفي الحقيقة، لا تحتاج إسرائيل أو أي طرف آخر إلى تقديم المزيد من الأدلة لإثبات هذه العلاقة الوطيدة، فحزب الله نفسه لطالما كان تواقًا لتأكيد هذه الصلة وتكرارها في شتى المناسبات، بل وحتى بدون مناسبة رسمية، وذلك في سياق العديد من الأحداث المتلاحقة.

قبل بضعة أشهر، وتحديدًا خلال ذروة حرب غزة، عندما استقبل حسن نصر الله وفدًا رفيع المستوى من حركة حماس، كانت جدران القاعة التي استضافت اللقاء مزينة بصور لقادة إيران البارزين، في حين خلت القاعة تمامًا من أي صور تذكارية لرموز لبنانية وطنية. هذا الأمر يثير جملة من التساؤلات العميقة حول الانتماءات الحقيقية للحزب، وما إذا كان ولاؤه السياسي المطلق موجَّهًا نحو لبنان أم لدولة أخرى. كما يثير هذا المشهد المثير للريبة العديد من علامات الاستفهام حول الدور المحوري الذي يلعبه الحزب سياسيًا على المستوى الإقليمي، وما إذا كان حزب الله يعمل على تحقيق أهداف استراتيجية لقوى خارجية في المنطقة، بدلًا من خدمة مصالح لبنان وشعبه.

دعونا نتأمل هذا السيناريو المفترض في أي دولة أخرى حول العالم، على سبيل المثال، تخيل أن جدران مكتب أحد الشخصيات البارزة في الحزب الديمقراطي أو الجمهوري الأمريكي تغص بصور لقادة روسيا بدلًا من صور قادة الولايات المتحدة. ما هو شعور المواطن الأمريكي في هذه الحالة؟ وهل يمكن لأي مواطن في دولة حرة ومستقلة ذات سيادة كاملة على أراضيها أن يتقبل فكرة أن يُظهر أحد الأحزاب السياسية ولاءً سياسيًا لدولة أجنبية بهذه الصراحة الفجة، وكأنه غير معني بمشاعرهم الوطنية، بل وغير مكترث إطلاقًا بما يعتقدونه عنه؟ ألن يُعتبر ذلك بمثابة احتلال غير مباشر من دولة لأخرى عن طريق عملاء تابعين لها؟ ألا يكفي هذا وحده لتوجيه تهمة الخيانة العظمى لهذا الحزب على أقل تقدير؟ ومما لا شك فيه أن إعلان أي فرد، وليس بالضرورة حزبًا سياسيًا، عن انتمائه السياسي لدولة أخرى تهدد مصالح وطنه، كفيل بتوجيه تهمة الخيانة العظمى إليه ومحاكمته بتهمة تهديد الأمن القومي.

من المحزن والمؤسف حقًا أن تشهد لبنان مثل هذه الظواهر الشاذة والغريبة، والتي تعتبر بلا أدنى شك سببًا رئيسيًا في موجات الفوضى والاضطرابات التي تعصف بالبلاد بين الحين والآخر، فضلًا عن كونها السبب الجذري وراء عدم استقرار لبنان لعقود طويلة. ولعل التصريحات الصادرة عن مسؤولي الحزب وهم يقدمون واجب العزاء لقادة إيران في أعقاب اغتيال نصر الله تحمل في طياتها العديد من الدلالات والإشارات الخطيرة، منها أن الحزب سيواصل السير على نفس النهج، وأن البديل موجود وجاهز وفقًا لما تحدده قوى إقليمية ودولية.

من الجليّ والواضح تمامًا أن إسرائيل لن تتوانى أو تتوقف أمام أية عوائق في الوقت الراهن، وهي عازمة على تنفيذ مشروعها الشنيع المتعلق باغتيال وتصفية جميع قادة حزب الله واحدًا تلو الآخر. ففي كل يوم، نسمع عن حادث اغتيال يودي بحياة واحد أو أكثر من قادة هذا الحزب، الأمر الذي يمثل ضربات موجعة ومؤلمة لإيران وحلفائها في المنطقة. وعلى الرغم من تأكيد بعض قادة الحزب (الذين ما زالوا على قيد الحياة) بأن تصفية أي قيادي سيتبعه حتمًا قيادي آخر، إلا أنه من الواضح بجلاء أن لبنان، الذي يعاني أصلًا من ظروف سياسية واقتصادية بالغة الصعوبة، سيمر بظروف عصيبة ستزيد من تفاقم معاناة الشارع اللبناني المنكوب.

لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن ننكر أو نتجاهل همجية إسرائيل ودمويتها المتأصلة، سواء خلال عمليات الاغتيال التي نفذتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في لبنان، ولا سيما أن الكثير من الأرواح البريئة تُزهق دون ذنب أو جريمة اقترفتها خلال هذه العمليات الإجرامية. إلا أن حزب الله، حتى قبل أحداث السابع من أكتوبر، كان يشكل عقبة كأداء في طريق الاستقرار السياسي المنشود في لبنان. وفي الوقت الذي أبدى فيه الكثيرون بعض التفاؤل الحذر بمستقبل لبنان بعد اغتيال نصر الله، إلا أن استمرار الحزب وإصراره على السير على خطى نصر الله يعني أن الطريق لا يزال طويلاً وشاقًا أمام تحقيق الاستقرار الدائم في لبنان. فالحزب يمثل الشوكة المؤلمة التي تقض مضجع لبنان وتعوق تقدمه نحو الاستقرار والازدهار، كما أن له دورًا مباشرًا وغير مباشر في زعزعة استقرار العديد من الدول المجاورة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة